قراءة في 'عثمانيات جزائرية' للأستاذ ناصر الدين سعيدوني
يواصل الأستاذ الدكتور ناصر الدين سعيدوني، أحد أبرز المؤرخين الجزائريين، مسيرته العلمية المتميزة في خدمة التاريخ الوطني، حيث أصدر مؤخراً كتابه الجديد "عثمانيات جزائرية" الذي يعد إضافة قيمة للمكتبة التاريخية الجزائرية.
مرجع أساسي للدراسات العثمانية
لا يختلف الباحثون في حقل الدراسات العثمانية في الجزائر على أن أبحاث الأستاذ سعيدوني تشكل مرجعاً أساسياً للبحث في هذه الحقبة المهمة من تاريخنا الوطني. وتكمن أهمية هذه الأعمال في خصوصية المنهج والمصادر التي يعتمدها الأستاذ في كتاباته وأبحاثه.
وقد تجاوزت كتب الأستاذ وترجماته وتحقيقاته ما يزيد عن ستين بحثاً أو كتاباً في مجالات مختلفة تخص الدراسات التاريخية والفكرية، مما يؤكد إسهامه الكبير في إثراء المعرفة التاريخية الوطنية.
عصارة تجربة بحثية ممتدة
رغم تجاوز الأستاذ سعيدوني الثمانين عاماً، إلا أنه لا يزال يقدم عصارة أبحاثه وأفكاره في دراسات جديدة ورصينة تخص الحقبة العثمانية. ويقع كتابه الجديد في 246 صفحة، وصدر عن دار البصائر للنشر والتوزيع، ضمن منشورات مؤسسة سعيدوني للدراسات التاريخية والعمرانية.
يوضح المؤلف أن النصوص التي يطلع عليها القارئ في متن هذا الكتاب ألقي بعضها في محاضرات ومؤتمرات متخصصة، ونشر بعضها الآخر ضمن أوعية مختلفة، وقد عمل على تنقيحها وتطويرها وجمعها ضمن هذا الكتاب.
رفع الحيف عن التاريخ الوطني
يؤكد الأستاذ سعيدوني أن الغرض الأساسي من هذا العمل هو "رفع الغبن والحيف الذي أصاب تاريخ الجزائر" خلال الحقبة العثمانية، والذي لا يزال إلى الآن يشوش الذاكرة التاريخية للشعب الجزائري.
كما يرجع المؤلف سبب إخراجه لهذا العمل إلى "نقص الدراسات الأكاديمية وطغيان الأطروحات المستهلكة والأفكار المكررة، والأحكام الجائرة، التي حيدت التاريخ وحولته من عامل بناء إلى مسائل خلافية".
منهجية علمية رصينة
يعرض الكتاب تجربة الأستاذ سعيدوني الخاصة في الأرشيفات العثمانية، حيث يورد أهم الأرشيفات التي اعتمدها في أعماله العلمية خلال تجربته البحثية الممتدة على مسار أكثر من خمسين عاماً.
وقسم الأرشيفات التي اعتمدها بشكل متكرر بحسب أماكن تواجدها إلى ثلاثة أقسام أساسية: القسم الجزائري في الأرشيف والمكتبة الوطنية، والقسم التركي في أرشيفات رئاسة الجمهورية التركية في إسطنبول، والقسم الفرنسي.
إشكاليات السيادة الجزائرية
يتناول الكتاب إشكالية مهمة جداً في تاريخ الجزائر خلال العهد العثماني تتعلق بإشكالية السيادة الجزائرية خلال هذه الحقبة، ويرجع الأستاذ الاضطراب الكبير في الأحكام المتعلقة بهذه الإشكالية إلى عدم تخصص الكثير ممن تحدث عن هذا الأمر في الدراسات العثمانية.
ويفصل المؤلف أشكال السيادة التي يرى أنها تثبت استقلالية الجزائر خلال تلك الحقبة، مما يساهم في تصحيح النظرة التاريخية لهذه المرحلة المهمة من تاريخنا الوطني.
مساهمة في البناء المعرفي الوطني
يختتم الأستاذ سعيدوني أبحاث هذا الكتاب بمداخلة مقتضبة باللغة الفرنسية عن طبيعة الوجود العثماني في الجزائر، ليورد بعدها عدداً من الوثائق المترجمة أو المحققة من مختلف الأرشيفات التي اشتغل عليها، وهي وثائق هامة لكل مختص في تاريخ الجزائر العثماني.
إن هذا العمل يشكل عصارة تجربة حياتية وبحثية كبيرة، ومن المهم على الباحثين والأساتذة في هذا التخصص الاطلاع عليه والإفادة مما ورد فيه، سواء بالتعليق أو الرد أو الاستئناف من حيث توقف الأستاذ سعيدوني.