15 مليار إعلان احتيالي يوميا: تهديد خطير يستدعي تعزيز السياسة الإعلامية الوطنية
في ظل التزايد المستمر لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي والانترنت، باتت الحكومات الوطنية تواجه تحديات جديدة تتطلب إعادة النظر في سياساتها الإعلامية. لم يعد يكفي امتلاك إعلام موثوق المصادر، بل أصبحت مواجهة التضليل والاحتيال الإعلامي ضرورة قصوى.
انتشار الأخبار المضللة أسرع من الحقيقة
تشير الدراسات إلى أن الأخبار والمعلومات المضللة أو المفبركة، سواء كانت نصوصا أو فيديوهات أو تعليقات، باتت تملك قدرة كبيرة على الانتشار بين الناس والتأثير في الرأي العام أكثر من المعلومات الصحيحة والموثوقة.
واستغلت منصات التواصل الاجتماعي هذا الواقع الناتج عن عوامل سيكولوجية مرتبطة بانحياز الدماغ البشري للسلبية أكثر من الإيجابية وللعاطفة أكثر من العقلانية، لاستغلال انتباه الناس عبر مزيد من التفاعل بهدف تحقيق مزيد من الربح المالي والسياسي.
ضرورة مراجعة السياسات الإعلامية الوطنية
أصبحت مراجعة السياسات الإعلامية الوطنية ضرورة لا بد منها على مستويين أساسيين:
أولا: تقديم إعلام ذي مصداقية مؤسس على معلومات موثوقة وأخبار صحيحة.
ثانيا: الرفع من القدرة على مواجهة جميع أساليب التضليل والاحتيال والكذب.
وإذا كانت المهمة الأولى صعبة وتحتاج إلى احترافية في الأداء ومصادر معلومات ذات مصداقية، فإن الثانية أصعب، لأنها تتعلق بالتعامل مع طرفين: داخلي متعدد الأوجه، وخارجي متعدد ومتنوع الأساليب.
أرقام صادمة عن حجم الاحتيال الرقمي
وفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز في نوفمبر الماضي، فإن شركة ميتا توقعت أن يأتي 10% من إيراداتها في عام 2024 من إعلانات مرتبطة بعمليات احتيال وسلع محظورة، أي نحو 16 مليار دولار.
والأخطر من ذلك أن منصاتها كانت تعرض للمستخدمين 15 مليار إعلان احتيالي يوميا، وأنها تحقق مداخيل أكثر من خلال التعامل مع المحتالين الأكثر احتيالا.
تجارب دولية رائدة في مواجهة التضليل
هذا الواقع يفسر لماذا أغلقت الصين مجالها الإعلامي كلية على الآخرين وأنتجت البدائل الوطنية للمنتجات الغربية مثل baidu وweChat وDouyin وweibo، ونجحت في ذلك.
كما قررت روسيا حظر تطبيق واتساب واستبداله بتطبيق Max المدعوم من شبكة VK التي تعد البديل لفيسبوك في روسيا. وكذلك الشأن بالنسبة لليابان والهند وكوريا الشمالية وإيران وتركيا التي استثمرت جميعها في هذا الجانب للرفع من قدراتها في مواجهة أساليب التضليل.
ضرورة الاستباق في مواجهة التهديدات
زادت مخاطر التضليل وانتقلت من الجانب التجاري إلى الجانب المتعلق بتاريخ الدول وقيمها وثقافتها وتماسكها الاجتماعي والسياسي.
لذلك فإن الاستهانة بالتحايل التجاري اليوم قد يكون مقدمة لتحايل أكبر يتم تصنيعه غدا. ولا يوجد أنسب من الاستباق في هذا المجال بتعزيز السياسة الإعلامية ببعديها الداخلي والخارجي لمواجهة هذه التهديدات الكونية.