مراجعات فكرية ضرورية لتحرير العقل الجزائري من الهيمنة الغربية
كثيراً ما نصدق الحديث عن الأزمات القادمة والمؤامرات المحبوكة ضد بلادنا، ولكننا نادراً ما نصدق أن الغرب هو الآخر يعيش أزمات حقيقية وينتظره ما هو أعظم من الانهيار. وأن الصين تعيش تطوراً تكنولوجياً واقتصادياً مذهلاً رغم التحديات الديمغرافية، وأن أوروبا تنهار تدريجياً والكيان الصهيوني ينفجر من الداخل.
عقلية التبعية والهزيمة النفسية
وكأن هذا الآخر لا ينتظره سوى الانفراج ونحن لا ينتظرنا سوى الضيق! بل إن الأمر عندما يتعلق بدولنا العربية والإفريقية تصبح جميع المؤشرات السالبة ذات مصداقية عالية، وكل المؤشرات الإيجابية يطالها التشكيك حتى وإن قدمتها مصادر محايدة.
هل الخلل يكمن في غياب العقل المتزن لدينا الذي يوازن بين السلبيات والإيجابيات؟ أم في طبيعة تفكيرنا في هذه المرحلة الذي أصبح يميل عادة إلى سرديات المؤامرة والأزمات القادمة؟
الصين نموذج للتحرر من الهيمنة الغربية
ألم نستمر إلى اليوم نصف المنتج الصيني بأنه سيء! بل نصف كل ما هو ضعيف بأنه صيني رغم أن الصناعة الصينية تفوقت على الغرب وأصبحت أكبر العلامات الغربية تصنع بالصين! ودولة الصين تهيمن على السوق الأمريكية وتعتبر ثالث مالك لسندات الخزانة الأمريكية بقيمة 688 مليار دولار.
وتايوان تهيمن على سوق أشباه الموصلات في العالم وتنتج 92% من الرقائق الأكثر تطوراً في العالم وتمتلك ما قيمته 309.5 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية!
مراجعات ضرورية للمسلمات الفكرية
يبدو اليوم أننا في حاجة إلى القيام بمراجعة فكرية وسياسية للكثير من المسلمات التي عادة ما تحكم خطابنا:
المراجعة الأولى: تفكيك عقلية المؤامرة
مراجعة المسلمة الأولى أن الغرب يتآمر علينا وبإمكانه تنفيذ كافة المخططات التي وضعها تجاهنا من دون تردد أو خوف، واستبدالها بالثقة في أن هذا الغرب يتحرك وفق مصالحه وبإمكاننا التعامل مع هذه المصالح كاستراتيجيات لا كمؤامرات.
المراجعة الثانية: الإيمان بقدرات الشرق
مراجعة المسلمة الثانية التي تقول أن هذا الغرب دائماً يتقدم ونحن نتأخر، والثقة في أن الشرق فرض نفسه من خلال قدراته الذاتية. وعلينا ألا نقتصر على الصين وتايوان، بل الانتباه إلى موجة التقدم القادم من ماليزيا وإندونيسيا وإيران وتركيا وحتى بعض البلدان الإفريقية.
المراجعة الثالثة: إدراك ضعف الغرب الحالي
مراجعة المسلمة الثالثة أن الغرب اليوم أقوى مما كان عليه قبل 30 سنة، والثقة في أن الغرب نفسه يعترف بتآكله وشيخوخته وباتت أجنحته تتصارع فيما بينها، وأن أمريكا ذاتها باتت تبحث عن القوة من خلال الحمائية والعودة إلى مبدأ مونرو الجديد.
المراجعة الرابعة: الإيمان بإمكانية الوحدة
مراجعة المسلمة الرابعة أننا لا يمكن أن نتحول ذات يوم إلى الوحدة والتكامل، والثقة في أننا يمكننا العودة إلى مشاريع الوحدة وإنجاز اتحادات ثنائية وثلاثية وإقليمية في السنوات القادمة إذا ما توفرت العزيمة والإرادة.
خلاصة: نحو تحرير العقل من التبعية
وقس على ذلك الكثير من المسلمات التي ينبغي علينا مراجعتها، والتفكير في بدائلها، بدل البقاء ضمن تلك النظرة التبسيطية القائمة على أن مصيرنا مرهون وقدرنا محتوم ومشاريع الآخر ومخططاته نافذة بقدرة قادر ولا تنتظرنا إلا الهزيمة.