ثورة تيميشوارا 1989: شهادات حية عن أحلك أيام المقاومة الرومانية
في السابع عشر من ديسمبر 1989، شهدت مدينة تيميشوارا الرومانية أحلك أيام ثورتها ضد النظام الديكتاتوري لنيكولاي شاوشيسكو. هذا اليوم الذي تحييه المدينة سنوياً كيوم حداد، يُذكرنا بتضحيات الشعوب في سبيل الحرية والكرامة.
أوامر القتل من القصر الجمهوري
بعد اندلاع الاحتجاجات في 15 ديسمبر، والتي تحولت إلى ثورة شعبية في 16 ديسمبر، أرسل الديكتاتور شاوشيسكو فرقة من قادة الحزب والجيش إلى تيميشوارا. وفي مؤتمر هاتفي عُقد في 17 ديسمبر 1989، أصدر أوامره الدموية: "تُسلم جميع القوات الذخيرة الحية الحربية فوراً".
انتقد شاوشيسكو خلال المؤتمر الهاتفي ما اعتبره تساهلاً مفرطاً من قوات الأمن مع المتظاهرين، قائلاً: "في تيميشوارا، تعرض مقر الحزب في المحافظة لهجوم، ولم يتصرفوا بالشكل اللائق، بل تجاهلوا الأمر وأداروا لهم الخد الثاني وكأنهم المسيح".
بداية المجزرة
رد إيون كومان، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، على شاوشيسكو قائلاً: "أُبلغك أيها الرفيق شاوشيسكو، أن ثلاثة أرتال من القوات تدخل الآن تيميشوارا. أُبلغك مرة أخرى، لقد أمرت بفتح النار".
وأضاف شاوشيسكو في ختام المؤتمر: "إنه انقلاب حقيقي على الدولة، يُزعم أنه سلمي. إنه معادٍ للاشتراكية. هكذا يجب أن يُنظر إليه"، وأنهى كلامه بعبارة أصبحت رمزاً للقمع: "هيا إلى العمل بجدية!"
حصيلة دموية ثقيلة
يؤكد الباحث ماريوس ميوك، أحد المشاركين في الثورة، أنه بين 17 و22 ديسمبر 1989، سقط 73 قتيلاً و296 جريحاً في تيميشوارا وحدها، معظمهم (63 قتيلاً) في يوم 17 ديسمبر. وأضاف أنه بعد 22 ديسمبر، سُجلت 20 حالة وفاة أخرى في سياق المواجهات.
أول شهيدة في ثورة تيميشوارا كانت روزاليا بوبيسكو، امرأة تبلغ من العمر 55 عاماً، توفيت بعد أن دهستها مركبة عسكرية مدرعة. تبعتها ليبا باربات التي قُتلت رمياً بالرصاص، بينما أُصيب زوجها فاسيلي بجروح خطيرة.
مقاومة شعبية استثنائية
رغم القمع الدموي، أظهر أهالي تيميشوارا عزيمة استثنائية. في منطقة كاليا جيروكولي، تمكن المدنيون من إيقاف رتل من خمس دبابات باستخدام مولد كهربائي وحافلتين، وسد مسارات الجنازير بقضبان خرسانية.
يروي أحد المشاركين: "فوراً هتفنا (حرية، حرية)، ودون شك إن تلك اللحظة، استحقت أن تعيشها، وقد خرج الجندي سائق الدبابة مصاباً، ولم يؤذه أحد".
شهادات من قلب الأحداث
أدريان كالي، مدرس التاريخ الذي أُصيب برصاصة في ظهره أثناء الثورة، يروي تفاصيل تلك الأيام: "أطلقوا علينا وابلاً من الرصاص وبعد ثوان أُصبت في ظهري. صرخت بهم أن يعتقلونا، لا أن يطلقوا النار علينا".
ويضيف كالي: "نجوت لأنني كنت أرتدي معطفاً سميكاً خفف من الإصابة. كان الجرح كبيراً، بطول ثلاثة أصابع تقريباً".
دروس للشعوب الثائرة
تُذكرنا أحداث تيميشوارا بأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن الشعوب التي تقرر التحرر من الاستبداد تدفع ثمناً غالياً. هذه التضحيات تبقى منارة للأجيال القادمة في نضالها من أجل العدالة والكرامة.
كما تؤكد هذه الأحداث أن القمع مهما اشتد، لا يمكنه كسر إرادة الشعوب المصممة على التغيير. فالثورة كما يقول أدريان كالي "بدأت عندما خرج الشعب معارضاً ومقاوماً النظام، لا عندما كان الناس يلعنون شاوشيسكو في منازلهم".